سلايدر رقم واحد

قم بتغير هذه الجملة كوصف للسلايد الاول

سلايدر رقم 2

القمر

سلايدر رقم ثلاثة

قم بتغير هذه الجملة كوصف للسلايد الثالث

سلايدر رقم 4

قم بتغير هذه الجملة كوصف للسلايد الرابع

حححح

حححح

الاثنين، 16 نوفمبر 2015

أحمد بيضون

باريس
وصلتُ إلى باريس ظهرَ الأحد وكانت الشوارع شبهَ مقفرة. قلت هو الأحد! وكنت قد قرأت أن السبت - غداةَ المأساة - لم يَخْلُ من حيويةٍ أظهرَتْها المدينة. في الليل، بقي المنظر موحشاً وإن تكن المقاهي والمطاعم وجدت روّاداً تستقبلهم.
اليوم لزمتُ الفندق في الصباح أراجع ما جئت من أجله. وعند الظهر، خرجت واعداً نفسي باجتياز حديقة اللوكسمبورغ كلّها للوصول من الحيّ اللاتيني إلى راسباي. وهي متعةٌ حفظتُ ذكراها من سنوات مضت. وجدت ُُالحديقة مقفلة، جرداءَ من نباتها البشري، فرأيت في ذلك إشارةً مشؤومة إلى الشؤم المهيمن. وعند سورها الذي لا ينتهي، كان يقف أو يجلس أناسٌ بدت عليهم كآبةُ من ينتظر جنازة... أو ان هذا ما خُيِّل إليَّ...
سلكتُ إلى مقصدي شارع فوجيرار المفرط الطول الذي لا أجد فيه ما يبهج أو يجذب... على الرغم من أن واجهة مجلس الشيوخ الجليل تبدو من جهته أطول منها من جهة الحديقة... أو ان هذا ما خيّل إلي أيضاً... كان الشارع ضعيف الحركة ومثله شوارع أخرى مررت بها. بدا لي أن الناس هنا قلقون من انفجار يباغتهم أو من حامل سكين يهاجمهم في عرض الشارع. فانتابني، وأنا سائرٌ، شيءٌ من هذا القلق.
في الأخبار، تكرّر التشديد على كثرة الناس الذين اجتمعوا في ساحة الجمهورية أو عرَّجوا على مواقع المأساة ليوقدوا شمعةً أو ليتركوا زهوراً...
هذه، مهما تَقُل الأخبار، ليست باريس التي أعرف.
على قول عمر الزعنّي: "يا ضيعانك يا بيروت!"...


فايسبوك

سهرة مع الفيلم المذبوح لأحمد زعزع

سهرة مع الفيلم المذبوح
 خاص
كان بيتنا من البيوت القليلة التي حوت جهاز تلفزيون بالأبيض والأسود خلال الستّينات في حيّ سهل الصبّاغ الصيداوي، العابق بزهر اللّيمون الفوّاح ونسيم البساتين الخضراء، قبل أن يستبيحه توسّع الباطون العشوائي بكامل قبحه وجلافته.
كنّا نتجمّع بعيون مليئة بالدهشة أمام ذلك الصندوق السّحري بأنتينه المزدوج الذي يشبه أسياخ اللحم المشوي والتي يصعب تثبيتها وتحديد الزاوية الملائمة لالتقاط الصورة الأقل تشوّشا واهتزازا. كان عقاب الولد الشّقي بيننا هو الوقوف مصلوبا أمام الجهاز والإمساك بسيخي الأنتين الزّئبقي، في وضعيّة ثابتة، إلى أن ينتهي عرض ترفيهي ما أو نشرة أخبار هامة.
رأت أمي، رحمها الله، في تلفزيوننا آنذاك نعمة ونقمة في آن واحد: فمع سرورها بمتابعة السهرات التلفزيونية الليلية، لم تكن تنشرح كثيرا لتقاطر جاراتها كل ليلة تقريبا، ممن خلت بيوتهن من جهاز مماثل، إلى بيتنا للسهر الطويل أمام "تلفزيون أم أحمد" كما سمّته سيدات الحي. كانت خطّتهن محكمة وناجحة ولا تخطئ التوقيت. بعد مغيب الشمس تأتي إحدى الجارات لتسأل وتطمئن عن صحّة العائلة، لتلحقها بعد قليل جارات أخريات "صدف" أن سألن عن الجارة الأولى في بيتها ولم يجدنها فاستنتجن أنها "لا بدّ وأن تكون عند أم أحمد". وهكذا، تدعو بضعة نساء أنفسهن كل ليلة إلى سهرة تلفزيونية حافلة ببثّهن المتواصل وببثّ الصندوق العجيب بأنتينه اللعين عند أم أحمد التي لا تملك سوى الكزّ على أسنانها وترديد عبارات المجاملة الفارغة.
كانت الحاجّة أم خليل واحدة من تلك الجارات التي تأتي بلا دعوة ولا إحم ولا دستور ولا من يحزنون، في  زيارات طويلة لا تنتهي إلا مع انتهاء البث التلفزيوني وسماع النشيد الوطني وتساقطنا جميعا من حولها إعياءً وتعبا ونعاسا.  كانت الحاجّة أم خليل هي الأكبر سنّا والأثقل حركة بين الجارات، لكنها كانت أيضا الأظرف والأخفّ ظلاّ بينهن. كيف ننسى تعليقها الأوحد على مباريات المصارعة الحرة التي أُغرمنا بها جميعا وتعلّقنا بأبطالها - كالأخوين جاك وأندريه سعادة وصاحب الكاريزما برنس كومالي، الذي يقطر وجهه حزنا على أفريقيا المنهوبة -  عندما تتساءل بصوت حزين: " يه، ليه عم يعمل فيه هيك؟ ألله يعين أهله!".
 كان مجيئ أم خليل في بداية السهرة مصدر سعادة قصوى لي ولإخوتي العابثين المشاغبين، إذ بعد ثرثرة المجاملات والأسئلة الممجوجة عن الحال والصحّة واجترار  قصص النّميمة والحزازات المحلية - حول من تزوّجت ومن طلّقت ومن تَعيث في الحي عهرا وشواذا وتخريبا - كانت الحاجّة تسقط فريسة للنّعاس المفاجئ في بداية الفيلم العربي الذي يستحوذ على انتباهنا ويخفّف من إصغائنا إلى كلامها. ما هي إلا لحظات قليلة ويستوي رأس الحاجّة هابطا على صدرها وينتظم شخيرها ويعلو بتدرّج محموم ليختلط بشريط صوت الفيلم ويعطّل على الكبار الاستمتاع به ويحرمهم من رفع صوت التلفزيون خوفا من "تنقيز" الضّيفة المستغرقة في نوم عميق وسط ضحكاتنا المكتومة التي لا تنفع معها نظرات الأهل الزاجرة والمستنكرة.
لطالما امتزجت أمامنا مشاهد رومانسية مصرية يبوح فيها البطل للبطلة بعجزه أو بفقره أو بهيامه أو بمرضه مع شخرة طويلة من شخرات الحاجّة النائمة تُحيل المشهد برمّته إلى مسخرة خالصة. كانت أمي تتمزّق بين رغبتها في متابعة الفيلم المذبوح وبين تقليدنا العابث لشخير أم خليل المتواصل، ولم يكن بإمكانها وقف سيل التهريج المحيط بدراما الفيلم التلفزيوني والمشوّش عليه.
لكن شيئا ما كان يحدث كل ليلة في التوقيت ذاته وكأن المسألة مخطّطة بإحكام إلهي: قبل انتهاء الفيلم بقليل، كانت الحاجّة تستيقظ فجأة بذعر شديد وهي تسعل وتحشرج وتخبط بيدها على صدرها وتردد العبارة نفسها: "يه يه، غفيت، لا تواخذوني، شو صار بالفيلم؟"
وهنا، كان على أمي أن تتطوّع لتروي للحاجّة قصة الفيلم من البداية إلى النهاية, ولتشرح لها بصبر وعناية لماذا تبكي البطلة أو لماذا هي منشرحة في حفل زفافها أو لماذا يموت البطل متأثّرا بجراحه أو بمرضه أو برصاصة أو بطعنة. كان الأمر تمرينا على السرد والتلخيص وإعادة التركيب تتبرّع به أمي دون كلل أو ملل إذ كانت تعتبره من واجبات الضيافة.
نام اللبنانيون وشخروا كثيرا وطويلا على مسلسلات وأفلام كانت زاخرة بوعود العسل واللبن والرفاه والنعيم، ليهبّوا سائلين، بعد خراب البصرة، وبعد أن اجتاحت الزّبالة بيوتهم وشوارعهم وبعد أن عشّش الشّحن المذهبي في عقولهم وأرواحهم، متى حدث كل هذا وكيف ولماذا؟ من يروي لهم الحكاية ومن يفسّر لهم كيف وصلنا إلى هنا وبأي ثمن؟ من يراعي أصول المواطنة، في هذا البلد المذبوح، لغير اللصوص والناهبين والسارقين والأوغاد الوقحين، أصحاب السّماجة والغلاظة والتّفاهة، من كل ملّة وطائفة؟
   


محمد الحجيري*



الذكريات المتناثرة

في الثالثة عشرة من عمره، كان شكله غريباً، ضئيل الحجم ضعيف البنية، يرتدي ثياباً مستعملة بما فيها جاكيتته الصوفية ذات المربعات البيضاء والسوداء، باستثناء الملابس الداخلية التي كانت ترفاً لا تسمح به حال أهله المعدَمة في تلك البيئة الريفيّة النائية، كان حليق الرأس بشكل غريب..
لقد أرسله والدُه إلى أحد حلاقي القرية لقصّ شعره الكستنائي المنسدل، ولمّا لم تعجبه هيئتُه في المرآة عمد إلى شفرة الحلاقة والمشط للتخلّص من التدرّجات التي تركها الحلاق الذي لم يكن يُحسِن إلا طقطقة المقص بعد كل عملية قضم لخصلةٍ من الشعر، غير عابئٍ بتذمّر زبونه المغلوب على أمره.
لكن فعل الشفرة في رأس صاحبنا لم تكن بأفضلَ من فعل مقص الحلاّق.. فقد تركت أثرها على شكل خرائط متنافرة، فهي فعلت فعلها في أماكن فلم تترك من الشعر شيئاً حتى بانت فروة الرأس، بينما تركت خصلاتٍ أخرى على حالها الأولى..
هو الآن وحيدٌ في مدرسته الجديدة المجّانية الداخلية على مشارف العاصمة بيروت، والحصة الآن هي لمادّة الرياضيات.
يعرُض المدرّس المسألة الهندسية على اللوح ثم يترك المجال للتلامذة للتفكير في حلِّها..
وبعد بعض الوقت لم ترتفع إلا يدُ صاحبنا للإجابة.
هو يقف الآن وحيداً أمام اللوح بشكله الغريب تحت نظر زملائه الذين يرمقون شكله باستغراب بدءاً من قصّة شعره العجيبة إلى حذائه مروراً ببقّية ملابسه المستهلكة..
ولمّا كانت فرنسيته تشبه العربيّة، أو قل هي لا تشبه شيئاً إلا لهجته الضيعويّة المستغرَبة، لكنها في كل الأحوال تستطيع أن توصل فكرته في مادةٍ علمية كالرياضيات.
وبعد أن شرح حلّه المقترَح بشكل متسلسل، صمت المعلم قليلاً، ثم سأله قائلاً: "أنت من وين؟"
ردّ التلميذ قائلاً: "من بعلبيك".
وكان ذلك ادعاءً مدينياً، فهو في الحقيقة من قرية نائية في سفوح جبال لبنان الشرقية.. لكنه قلّما أحب الدخول في التفاصيل ولم يكن ذلك بنيّة الادعاء بالانتماء إلى المدينة.
لم يكد صاحبُنا ينطق بكلمته تلك حتى انفجر الطلاب الذين كانوا يشخصون بأبصارهم إليه بالضحك دفعةً واحدة..
منذ تلك الساعة اتخذ الأستاذ مكانه بالقرب من صاحبنا على طاولة واحدة كتقديرٍ له على تميّزه بمادة الرياضيات..
استمر صاحبنا في مدرسته تلك لسنواتٍ ثلاث أنهتها بداية الحرب الأهليّة في لبنان، ليبدأ بالبحث عن مسارٍ آخر، وعد صاحبنا بالحديث عن بعضها لتحريره من ثنايا الذاكرة المبعثرة.


أستاذ ثانوي
14/11/2015

يوم جئت قصيدة لمبارك وساط

يَوْمَ جئْتُ –
-----------
أنا كنت قد جئتُ إلى قرية جدّي هاته
في قطار بطيء، وطيلة الرحلة
كنتُ أترصّد ظهورَ تلك الصّقور في الفضاء
أعني الشّواهين الخمسة المزهوّة بتلاوين مناسرها
والتي قال عنها صحافي أمريكيّ في الهيرالد تريبيون
إنّها أَلِفَتْ أنْ تَتْبَعَ قِطارا حتّى يَصِلَ
إلى مشارفِ نهر
قُرْبَ غابة في بنسلفانيا
لكنّ القطار الذي استقلَلْتُه يَوْمَ مجيئي إنّما كان ماضِيًا
صوب مرّاكش
( فمنها، أُكْمِل، عادةً، إلى قرية جدّي)
لذا، كان هنالك، عوض الصُّقور، شخصٌ
يُشبه المسيح
يُطِلّ عليّ، متصبّبا
عرقًا، وباسما، وَوَجْهُهُ يهتزّ
في الفضاء القريب منّي، خارج
نافذة القمرة


سلايد